تخيلت ذات يوم أننى عصفور حر طليق يحلق فى سماء الدنيا، يطير ليصل إلى السحاب، ويلامس بقدميه الصغيرتين مياه البحر، ويعلو على الأمواج العالية، وتمنيت أيضًا لو أننى أصبحت سمكة الزينة ذات الألوان الزاهية، تقطع حوض الزينة مجيئًا ورواحًا فى مساحة محدودة مهما بلغ اتساعها، ثم فكرت فى الكون من حولى وتساءلت: أى الكائنات أكثر سعادة؟
من تُرك حرًا طليقًا بلا قيود، يطير بحثًا عن طعامه كل يوم.. ربما اليوم يجده قليلًا، وغدًا يرزقه الخالق بالكثير، أم تلك السمكة التى لا تتعب حالها فى جهد مبذول، ولا بحث متواصل ماذا تأكل اليوم، فطعامها مضمون، ومكانها محفوظ، هكذا الفرق بين الحرية المطلقة والحياة بقيود، كل له مميزاته وسلبياته.
ونحن البشر لا نرضى بشىء، نريد كل شىء، حرية فى أفعالنا، لكننا لا نريد أن يحاسبنا أحد، نريد أن تتاح لنا الدنيا بحذافيرها، مأكلًا ومشربًا وملبسًا، ولا نريد أن نقدم الجهد ليتوفر لنا كل ذلك.
ولأن سر السعادة مازال غامضًا، لكنه ليس مستحيلًا، فالبعض يرى أن السعادة فى المال، وبعضهم يجدها فى الأولاد، وبعضهم يراها فى الصحة والعافية، ومهما حصرت نعم الله علينا فإنها لا تحصى كما قال تعالى «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها»، صدق الله العظيم، ويحضرنى قول مأثور كانت تقوله أمى رحمها الله «راحة البال لا تساوى مال».
ولكن هذا القول المأثور يتعارض بعض الشىء مع قوله تعالى «لقد خلقنا الإنسان فى كَبَد»، والكَبَد هنا يعنى الشقاء والتعب ومنغصات الحياة.
هكذا الحياة لن تستقيم على حال، وسيعيش الإنسان مهما كان يمتلك كل نعم الله، لكنه لن يشعر بالسعادة المطلقة، فراحة البال والسعادة لابد أن يتوفر لهما الإحساس بالرضا فى السراء والضراء.
الرضا هو الكلمة السحرية لحل معادلة الكون.. والصبر هو الوجه الآخر لعملة الرضا، بما قسمه الله لك.. قد يقول الكثيرون إننا راضون بحالنا، وتجد نفوسهم من الداخل عابسة، ساخطة، حزينة.. ولن أقول ناقمة حتى لا أكون قاسية.
الرضا هو جوهر السعادة، والله ليس مجرد شعار نقوله فى سفسطة حوارية، أو كلمات منمّقة فى مقال، لكنها الحقيقة، ودعونى أذكر نماذج للرضا.
نماذج راضية وصابرة وأيضًا ناجحة.. ألم تشاهد عشرات المتفوقين دراسيًا من فاقدى البصر؟!
ألم نرَ أصحاب الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية فى بطولات ممن تحدوا إعاقتهم، ولم تقف حياتهم عند البكاء على بلاء الله لهم، وتجاوزوا إحساسهم بالنقص فى النعم، بل أنهم حولوا بلاءهم إلى قدرة فائقة، وحققوا سعادة لأنفسهم، وسعادة لذويهم؟.. التاريخ كله نماذج ليست فقط حكرًا على الأنبياء والصالحين، إنما تجاوزت لبشر عاديين رضوا بما قسمه الله.
هل جربت أن تتحدى كل منغصات حياتك ومشاكلك الصعبة، وتصمم بإرادتك أن ترضى؟
أن تصفى قلبك من شوائب الحياة، وحقد البشر، وتقول بقلبك ومن قلبك وبلسانك «الحمد لله»، تقولها برضا..
تعيشها برضا؟
هل جربت أن تبتسم بصدق، وتصر أن تطرد كل هواجسك فى أن الحياة تدير ظهرها لك؟
ودعنى أسالك سؤالًا لابد أن نجيب عنه: من خلق الحياة الدنيا؟
بالطبع هو الله الواحد الأحد.. ومن خلق الآخرة؟
الله.. ومن يحدد مصير كل شىء على وجه الأرض؟
بالتأكيد هو الله.. فلماذا نلعن الدنيا.. ونشعر أن الدنيا تعاندنا.
ودعنى أسالك: هل تثق فى عدل الله؟
ستقول.. نعم
لكن الحقيقة تقول غير ذلك، فمن يثق فى الله وعدله لا يحمل للدنيا همًا.. لا يسب الدهر.
لا يحمّل الحياة أكثر مما تحتمل.
إذا كنت تثق فى الله فسعادتك بين يديك، ورضاك بما قسمه الله لك، وهو خير دائمًا، لأن كل ما يفعله الله خير، حتى وإن بدا لك شرًا.
وإن كنت لا تثق فى الله فلن تشعر بالرضا أبدًا، وسوف تفسر كل الأشياء تفسيرًا مخالفًا.
قرأت كتابًا مترجمًا لعدد من اللغات اسمه «السر»، هذا الكتاب يمنح من يقرأه طاقة إيجابية لتحقيق كل ما يحلم به.
ما عليك إلا أن تؤمن بما تفعله، لكى يتحقق هذا الإيمان.. لابد أن يكون إيمانًا قويًا عميقًا، يصدر من داخلك، فمثلًا عندما تؤمن أن لديك القدرة على تسلق سلسلة جبال الألب، فما عليك إلا أن تؤمن بقدرتك وتشحذ همتك وإرادتك للقيام بذلك، ويتحقق بالفعل.
نحن نفسّرها فى الإسلام والمسيحية واليهودية باليقين فى الله، والثقة فى قدرة الله.
هذا هو سر الحياة والسعادة.. اليقين بالله والرضا بالقدر.
توصل إليه مؤلف كتاب «السر».. والأديان قالته منذ آلاف السنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة